السبت، 10 يناير 2015

أدفن البحر و أسكن على شاطئه





القصة اليوم ترجع لرجل اسمه هندرو Hendro Santoso Gondokusumo وهو رجل أعمال صيني هاجر والده في نهاية أربعينات القرن الماضي إلى اندونيسيا، هربا من التجنيد في بلده الصين، ونزل في مالانج، شرق جافا، وهناك حيث قابل الوالدُ الوالدة، وأما ميلاد هندرو فكان في 6 سبتمبر 1950 .

 كانت البداية غاية في الصعوبة على العائلة الجديدة، ففراش النوم كان عبارة إما عن جوالات الذرة أو الأرز المكومة معا، وكان الطعام شحيحا وأفراد العائلة إلى تزايد. استمر الحال صعبا، ولم يكن العيش ليكون ممكنا لولا محل صغير اشترته العائلة لتبيع فيه بعض حبوب الذرة والأرز والقهوة والمكسرات.

كان إجمالي عدد أفراد العائلة المعتمدين على هذا المحل الصغير كمصدر دخلهم عشرين فردا، لكن الأبوين عملا بجهد وكد لإطعام جميع الأفواه ولإرسال من عليه الدور إلى مقاعد الدراسة.

 شيئا فشيئا بدأ المحل الصغير يكبر بمساعدة شريك ليكون مركز توزيع كبير. رغم تيسر الأحوال المالية للأسرة، لكن الوضع الخارجي ازداد سوءا، ففي عام 1967 ازدادت درجة عدائية أهل المدينة للصينيين بشكل عام، الأمر الذي نتج عنه غلق جميع المدارس الصينية في المدينة، ومن ضمنها التي كان يرتادها الابن هندرو.

في هذه الأثناء، كان عم هندرو قد رحل عن الصين إلى مدينة جافا الاندونيسية ليبدأ هناك نشاطه التجاري القائم على التصدير، ولذا بعد غلق المدارس أرسل الأب ابنه هندرو ليعمل مع عمه في تجارته.
 بعدها بعام انتقل العم وهندرو إلى العاصمة جاكارتا، بسبب صعوبة إجراء المكالمات الهاتفية الدولية اللازمة في تجارة التصدير، وكذلك بسبب كثرة الفرص التجارية في العاصمة مقارنة بأي مكان آخر.

ثم جاء عام 1970 والذي شهد مقدم صديق إلى العم، في جلسة نصحه فيها بأن يدخل في مجال الاستثمار العقاري فهو الأكثر ربحا، وكانت بداية تنفيذ النصيحة مع بناء عقارات سكنية في جنوب العاصمة، والتي جاء ربحها كبيرا بعد بيع جميع الوحدات السكنية إلى شركة بترول وطنية.
بعدها استمر هندرو في بناء العقارات وبيعها، إلا أنه كان يبحث عن وسيلة تميزه عن غيره في سوق العقارات وتضمن له الربح والشهرة والسمعة الحسنة.

قاده تفكيره لردم البحر! فعليا، أراد هندرو استرداد منطقة في شمال جاكرتا من المستنقعات المتداخلة مع شاطئ البحر، وكان التصور الأولي بناء ضاحية فاخرة جديدة اسمها بانتاي موتيارا Pantai Mutiara مكونة من أربعة أبراج ذات 24 طابقا وبيوت متناثرة ونادي رياضي واجتماعي ومركز تجاري، على مساحة مقسمة ما بين 100 هكتار من الأرض، و 50 هكتار من ماء البحر.

 كنت لتركب قاربك البخاري وتسير به عبر الماء لتصل إلى قصرك الصغير، وبعدما ترسو به تنتقل إلى القصر ثم تركب سيارتك لتذهب لقضاء عملك.

كانت هذه أول مرة تقوم فيها شركة خاصة بردم البحر على ميزانيتها، فقبلها فعلت حكومة سنغافورة ذلك لبناء مطارها الدولي، وفعلت اليابان ذلك، لكن كل هذه المشاريع كانت بتمويل حكومي.
كان التحدي كبيرا على عدة مستويات. بدأ العمل في 1984 على ردم المستنقعات وشاطئ البحر، ثم بدأ الحفر والبناء في عام 1989 واستمر على مر عشر سنوات طوال. كان هندرو قد بنى لنفسه سمعة لا بأس بها، ولذا تمكن من بيع العديد من العقارات والأرض لازالت ماء لم يقترب منها عامل، هذه الثقة قفزت بسعر العقار عشرة أضعاف من بداية المشروع إلى نهايته والتسليم.

كان التوقع المبدئي لزمن المشروع أقل من الفعلي، إذ كانت الأرض مليئة بالوحل أكثر من المتوقع، ما استلزم المزيد من العمل والوقت والمال. كذلك كان هندرو متعنتا فيما يتعلق بالجودة، إذ أخبر العاملين معه ومهندسيه أنه مستعد لهدم أي عقار إذا وجد جودته أقل من المتوقع له، وهو لم يكن مبالغا في زعمه هذا.

 في عام 1990 طرح هندرو أسهم شركته العقارية في البورصة الاندونيسية، وكان اسم شركته العقارية انيشيلاند أو Intiland. كان للشركة عدة مشاريع عقارية وأبراج وملاعب جولف كثيرة، جلبت أرباحا أبقت الشركة على قيد الحياة، بينما يجري العمل في هذا المشروع الكبير.
ثم جاء عام 1997 والذي شهد الأزمة المالية الآسيوية وانهيار بورصات النمور الآسيوية كما أسموها، والتي أنزلت خسائر فادحة بالجميع، بدأت في تايلاند وضربت بأطنابها كل من اندونيسيا وكوريا الجنوبية، ووصل أثرها إلى ماليزيا وهونج كونج والفلبين وحتى الصين وتايوان وسنغافورة.
 هوى سعر العملات المحلية ما جعل الاستيراد مكلفا، كما أن البنوك توقفت عن الإقراض وبدأ المال يشح. بدأ حاجزو العقارات يطالبون بما دفعوا ثمنه أو استرداد ما دفعوه، واستعانوا بالشرطة والمحامين والقضايا لضمان حقوقهم، وبدأت الشركة تعاني بشدة مثل غيرها، لكن هندرو أعلنها صريحة منذ بداية الأزمة، لن يفقد عامل واحد عمله.

كان هذا التصريح صعبا للغاية، إذ بلغ عدد العاملين في شركته ألفي عامل، وعلى الشركة قروض واجبة السداد، وكان كل شيء إلى تراجع، وكان المزاج العام للسوق سلبيا جدا، والكل خائفا من العواقب. اجتمع هندرو بكبار العاملين معه، وطلب منهم خفض رواتبهم، ومساعدته في الحصول على مدخول بأي طريقة شرعية ممكنة، الأمر الذي نتج عنه زراعة أراضي الشركة التي لم يبدأ البناء عليها بمحاصيل الذرة، وأما المباني التي لم ينتهي بناؤها تحولت إلى مدارس ودور رعاية أطفال نهارية، وكذلك مزارع لتربية الضفادع!

على الجهة الأخرى، تمكن هندرو من كسب ثقة العملاء، وأقنعهم بالانتظار والصبر، فما جدوى عقار غير مكتمل البناء أو شركة عقارية مفلسة. بمرور الوقت، آتت هذه القرارات ثمارها، إذ لم يخسر أي موظف في الشركة وظيفته، وبدأ في ديسمبر 1998 تسليم أوائل الوحدات في ضاحية بانتاي موتيارا وبدأت الأمور المالية للشركة تتحسن، وعادت ثقة العملاء بالشركة إلى سابق عهدها.

استمرت الشركة في عملها بشكل لا بأس به حتى جاء عام 2007 حين سددت الشركة كل قروضها للبنوك، ثم حولت قرضا كبيرا من شركتين إلى استثمار في رأسمال الشركة، نسبته 70% مع تغيير اسم الشركة بعدها. إعادة الهيكلة المالية هذه أعطت دفعة قوية جدا للشركة، مكنتها من الشروع في تنفيذ مشاريع عقارية جديدة وكبيرة. من ضمن هذه المشاريع كان بدء سلسلة فنادق جديدة تحت اسم Whiz في منطقتي جافا و بالي.

يهدف هندرو من هذه الفنادق إلى التركيز على السياح الصينيين الآخذة أعدادهم في الازدياد، إذ تحول المزاج الاندونيسي من كره الصينيين إلى الترحيب بهم، وبدأت أعداد السياح الصينيين تزيد حتى بلغت 600 ألف سائح قدموا إلى اندونيسيا في عام 2012 وحده، مع توقع استمرار زيادة هذا العدد. يخصص هندرو جزءا من وقته وربحه للمجتمع، وهو أسس على نفقته جامعة خاصةMa Chung وبمساعدة أصدقاء الدراسة افتتحها في عام 2007.
كنت أود ذكر المزيد من التفاصيل عن هذا العصامي الناجح لولا ندرة المعلومات المتوفرة عنه، ولو يساعدني قراء المدونة المقيمين في الصين و اندونيسيا بذكر المزيد عن سيرة هذا الرجل الناجح، فسأكون شاكرا لهم جدا.
إذا كنت لتخرج بشيء من هذه القصة، فهو كالتالي،
أولا: الاستثمار في العقارات مربح جدا، لكنه خطير كذلك، لكن عليك الدخول فيه لا محالة.

ثانيا، من يسبق غيره ويركز على السياح الصينيين، قد يخرج رابحا. نعم، هذه النوعية من السياح مشهورة بأنها بخيلة أكثر من اليهود، لا تنفق وتطلب الكثير مقابل السعر القليل، لكن في ظل عزوف السائح الأوروبي، وتحول السائح الأمريكي، لعل السائح الصيني يعينك على تحمل الفترة الحالية حتى يعود السائح الأوروبي والأمريكي.

بقلم رؤوف شبابيك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق