السبت، 10 يناير 2015

عامل النفايات الذي أصبح ملياردير




من الأشخاص المضروب بهم المثل في العصامية وفي التحول من الفقر المدقع إلى الثراء الواسع هو هاري وين (Harry Wayne Huizenga)، الأمريكي من أصول هولندية المولود في نهاية عام 1937 في شيكاجو، والذي اشتهر شابا بأنه كثير المشاكل في قاعات الدراسة، ولعل هذا الشغب سببه أن والده كان عنيفا مع أفراد عائلته، حتى حصلت أمه على الطلاق وعاش هاري معها وعمره لم يتخط 15 عاما.
 ليعين والدته على النفقات، عمل هاري صغيرا كسائق سيارات وكعامل في محطات الوقود. لم يكمل هاري تعليمه لأنه لم يعرف ما الذي يريد دراسته من داخله، فلما التحق بالجيش الأمريكي لمدة شهور ستة تركه بعدها لأنه لم يجد بغيته في الجيش، فتركه وتزوج، ليبدأ رحلة البحث عن وظيفة أو عمل.



من ضمن الوظائف العديدة التي شغلها، عمل هاري مسؤولا عن جلب عملاء جدد لشركة جمع قمامة، وكانت وظيفته تطلب منه قيادة سيارات الشركة لجمع القمامة إذا احتاج الأمر ذلك.
 الجدير بالذكر أن جد هاري لوالده كان يعمل في مجال جمع القمامة، في حين أن والده عمل نجارا. بعد مرور عامين عليه في هذه الوظيفة، وجد هاري نفسه مؤهلا لأن يبدأ شركته الخاصة في مجال جمع القمامة، ولذا في عام 1962 تمكن من إقناع صديق للعائلة يملك سيارة جمع قمامة بأن يبيعه سيارته المستعملة، وكذلك بعض العملاء الذين ينقل لهم قمامتهم، مقابل 5 آلاف دولار اقترضها من والد زوجته.


الشركة الأولى:

اشتهر هاري في مدينة فلوريدا بأنه يعمل بجدية وجهد كبير جدا، فهو كان يستيقظ في الثانية والنصف صباحا ليقود سيارة القمامة حتى الظهيرة، بعدها يغير ملابسه ويذهب ليدق على أبواب سكان الحي ليجعلهم يتعاملون معه. اشتهر هاري برؤيته للفرص واستغلالها، ولذا كان يعيد استثمار الأرباح في شراء شركات جمع القمامة المنافسة. هذا الاجتهاد كان له نتيجة طبيعة في زيادة الأعمال والعملاء، ثم تصادف أن قريب هاري والذي يدير شركة جمع القمامة التي أسسها الجد، كان يحقق نتائج جيدة في إدارته للشركة والتي أخذت تتوسع في مدينة شيكاجو، وكان الخيار الطبيعي في هذا الوقت هو توحيد الجهود والاندماج.

في عام 1968 قرر الاثنان دمج الشركتين في شركة أسموها إدارة النفايات أو Waste Management وكانت رؤيا الشريكين هي الانتشار على مستوى الولايات المتحدة كلها، عن طريق تمويل التوسع عبر طرح أسهم الشركة الجديدة في البورصة. استمر هاري في سياسته القائمة على شراء المنافسين، حتى أنه بعد عام واحد من طرح أسهم الشركة الجديدة في البورصة في 1971، كان قد استولى على 133 شركة جمع قمامة صغيرة، وكانت العوائد الإجمالية للشركة 82 مليون دولار ويعمل لديها 60 الف عامل وتخدم 600 ألف عميل. كل هذا تحقق خلال 10 سنوات من بدء عمله على أول سيارة القمامة.


الشركة الثانية:

في عام 1984، وبعدما أصبح هاري نائب رئيس الشركة، استقال منها ليجرب أشياء أخرى. في عام 1987، عرض صديق لهاري عليه أن يشاركه في إدارة سلسلة محلات يديرها هذا الصديق، اسمها بلوكباستر فيديو أو Blockbuster Video وتعمل في مجال تأجير أشرطة الفيديو والتي كانت رائجة جدا في هذا الوقت. كان هدف الصديق أن يساعده هاري على تحقيق ذات الانتشار والنجاح الذي حققه هاري مع شركة جمع النفايات.

هاري كان لديه رؤيا أخرى، إذ وجد أن هذه المحلات أمامها فرصة ذهبية لتحقيق نجاح عظيم، ولذا جمع 18 مليون دولار من مستثمرين ومساهمين، واشترى نصيب صديقه، ليكون المالك الأوحد لسلسلة محلات بلوكباستر، والتي كانت تتكون من 8 محلات فقط موزعة في جنبات مدينة شيكاجو. بعد مرور عامين على هذا الاستحواذ، طرح هاري أسهم السلسلة في البورصة، واستثمر عوائد هذا الطرح في شراء المنافسين، محلات تأجير شرائط الفيديو الأخرى.
وقت طرح الأسهم، كانت السلسلة تملك 19 محلا وتبلغ قيمتها السوقية 7 مليون دولار. بعد أعوام قليلة من طرح الأسهم، أصبح للسلسلة أكثر من 3700 فرعا في 11 دولة مختلفة، وبلغت قيمتها السوقية 4 مليار دولار، وكانت أوسع سلاسل محلات الفيديو انتشار في الولايات المتحدة.
 في عام 1994 تم بيع سلسلة بلوكباستر لشركة فياكوم مقابل 8.4 مليار دولار. (اليوم خرجت بلوكباستر من السباق وأغلقت كل فروعها تقريبا بسبب جودة ومنافسة التوزيع الرقمي لأفلام الفيديو. إنها التقنية، ترفع أقوام وتحط شركات).


الشركة الثالثة:

بعد بيع الشركة، وفي عام 1996 عاد هاري لتكرار ما يجيد فعله، أسس سلسلة وكالة بيع سيارات أسماها اوتو نيشن أو AutoNation والتي تطورت بسرعة لتضم أكثر من 370 فرعا في الولايات المتحدة، ثم توسع خارجها أيضا. بعدها بقليل كرر الأمر ذاته مع سلسلة فنادق بدأها من الصفر، ثم باعها في عام 2004 وهى تضم 500 فندق! بعدها عاد هاري لنشاطه الأول، جمع النفايات، وبدأ شركة جديدة تطورت ونمت لتكون ثالث أكبر شركة جمع نفايات في الولايات المتحدة، لتندمج مع الشركة الأم التي أنشأها وباعها! أثناء هذا السجل الحافل، اشترى هاري بعض الأندية الرياضية، وحقق نتائج جيدة معها.

اشتهر عن هاري مقولة لأحد العاملين معه، فهو أول من يحضر للعمل، وآخر من يعود لبيته، وهو المستعد لعمل أي و كل شيء. عنده استعداد لجعل ما يريده يتحقق بكل ما أوتي من قوة، ولو استلزم الأمر الكثير من المال والوقت. على الجهة الأخرى، اشتهر عن هاري استخدامه للضمير (نحن) في كلامه، أكثر بكثير من استخدامه كلمة أنا.

أما عن حزب أعداء النجاح، فأطلق على هاري شائعات مغرضة، مثل أنه كان متعاقدا مع عصابات المافيا، وأن سياراته إنما كانت تنقل نفايات مسمومة وهذا ما جعله يربح ما ربحه! أما عن حزب النجاح فأعطى هاري جوائز تقديرية كثيرة، تقديرا لنجاحه في فعل أشياء كثيرة صعبة، رآها البعض مستحيلة.

طريقته لمعرفة سير الأمور في الفروع:

من المعلومات الطريفة عن مسيرة هذا الرجل، أنه كان يمر بنفسه على محلات بلوكباستر ليراقب أدائها، وكان لديه طريقة طريفة، إذ كان يدخل دورة المياه (الحمام / التواليت) في كل فرع، وإذا وجده نظيفا براقا، كان هذا دليلا على حسن سير الأمور في هذا الفرع، والعكس بالعكس. العجيب أن هذه الطريقة لم تخيبه قط! وقت كتابة هذه السطور، الثروة المقدرة لهذا العصامي 2.4 مليار دولار.
#نهاية القصة.
أختم كلامي بأن الفت انتباه القارئ الكريم إلى أهمية التوسع وشراء المنافسين. كثيرا ما تحدثت مع أصحاب محلات سعداء بفرعهم الأول والثاني، وأكدوا لي أن هذا الحد يكفي وأن الطمع وحش. هذه زاوية واحدة للنظر للأمور، لكن كذلك يمكن القول بأن فتح المزيد من الفروع يؤدي لتوظيف المزيد من الشباب، والربح الكبير يساعد على تأسيس شركات أكبر وافتتاح مشاريع عملاقة، وإلى التصدير والتوسع العالمي، وتقوية اقتصاد البلد. هناك شركة قزمة وهناك شركة عملاقة، والفرق في التفكير! هل توافقني في هذا الرأي؟

بقلم رؤوف شبابيك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق